سافرت في الآونة الأخيرة إلى بكين، لحضور دورة الخريف الخاصة من منتدى «تنمية الصين»، وكنت متشوقاً لما قد اكتشفه في هذه الرحلة عن الصين، وحالة العلاقات الثنائية بين العملاق الآسيوي والولايات المتحدة، لأنني لم أزر الصين القارية منذ عامين.
ولم أجد في المنتدى دعماً أميركياً لحروب الرئيس دونالد ترامب التجارية، ويحتمل أن المنظمين حشدوا الساحة بالمعارضين ضد من يدعمون حروب التجارة، فعدد كبير من المدعوين لمنتدى «تنمية الصين» من الولايات المتحدة كانوا من بين الموقعين على خطاب مفتوح نشرته «واشنطن بوست»، في يوليو الماضي، انتقدوا اتفاق آراء الإدارة بشأن الصين. ومن الأكثر ترجيحاً، أنه لا توجد نقطة التقاء بين دوائر مؤيدي ترامب وبين الأشخاص الذين يُعتقد أنهم على دراية ما بالاقتصاد العالمي. وأشاد الاقتصادي، روبرت بارو، بالضريبة التي فرضت عام 2017 لكن ليس بالحرب التجارية. وحاول مسؤولون سابقون من مكتب التمثيل التجاري الأميركي شرح الاستياء في الولايات المتحدة الذي أدى إلى فوز ترامب، لكنهم لم يدافعوا أيضاً عن حروب التجارة. وكانت كلمة رجل الأعمال الأميركي، «نيل بوش»، داعية للسلام لدرجة احتفت بها صحيفة «تشينا ديلي» كثيراً. لكن لا أحد من الحضور الأميركيين - وكثيرون منهم «جمهوريون»- كان لديه شيء إيجابي ليقوله عن حروب التجارة، ولو شيء واحد.
وأدركت أيضاً أن الصينيين في المنتدى أقروا بغير قصد ببعض القضايا التي تثير قلقهم، فقد أكد متحدثون صينيون على عدة نقاط قليلة بقوة مثل أنهم أكثر فقراً بكثير من الولايات المتحدة، فيما يتعلق بنصيب الفرد من الدخل القومي، وأشاروا أيضاً إلى أن قانونهم الجديد في الاستثمارات الأجنبية الذي يسمح بشركات مملوكة 100% لكيانات أجنبية يجدي نفعاً بشكل رائع، وأن العولمة ستستمر بصرف النظر عن حروب ترامب التجارية. لكن «فو ينج»، السياسية والدبلوماسية الصينية البارزة، أصابت حين تحدثت عن عدم معرفة الصين بما تعنيه المنافسة مع الولايات المتحدة. وسألت «منافسة على ماذا؟»، لكن لم يكن بوسع أحد من الحضور الصينيين أن يقدم تفصيلاً دقيقاً لاستراتيجيتهم الكبيرة. فقد كان هناك الكثير من الحديث المتحمس عن علاقة يكون فيها الجميع رابحين، لكن كان هناك القليل من الحديث عن الطريقة التي ترى بها الصين نفسها في شرق آسيا والعالم. والافتقار إلى تفضيلات سياسية واقعية نسبياً هي طريقة مضمونة النجاح لإشاعة عدم اليقين في توازن السلطة. والمؤكد أن ترامب هو محرك عدم اليقين، لكن بكين ليست مثالاً على درجة أكبر من اليقين.
ولفت انتباهي أيضاً أن المصرفي الأميركي «الديمقراطي»، روبرت هورماتس، استخدم تعبير «التعطيل المتبادل المؤكد» لوصف الحالة الحالية للعلاقات الأميركية- الصينية. فقد تباينت الآراء بشأن تداعيات وأمد الحرب التجارية. وكان بعض المشاركين متفائلين، لكن هيمنت ثلاث أفكار. أولاً: يتعين إبرام اتفاق بشأن تبادل المنفعة بشأن كل شيء عدا تكنولوجيا «الجيل الخامس» من الشبكات. ولا أحد لديه إجابة جيدة عن هواوي، وهو ما لا يثير الدهشة مع الأخذ في الاعتبار استخدام التعاون المتبادل كسلاح، وهو ما تسمح به تكنولوجيا شبكات «الجيل الخامس».
ثانياً: احتمالات إبرام هذه الصفقة محدودة، فكل جانب يعتصم بخندقه، وهناك عراقيل تقلص قدرة كلا الجانبين على الالتزام بشكل موثوق به في هذا المنعطف. وأخيراً، فعدم الثقة مرتفعة وتواصل ارتفاعها مع الوقت، بينما تلاشت القنوات المتعددة للبلدين لتبادل الثقة، وهناك وصفة لحرب تجارية مكلفة وفوضوية وطويلة الأمد، وفي الختام علمت أن الغضب كان أكبر في النسخة السابقة من منتدى تنمية الصين، لأن حروب التجارة كانت قد بدأت لتوها، أما الآن، فقد تجاوز كلا الجانبين فيما يبدو الرفض والتفاوض إلى الاكتئاب.
*أستاذ السياسة الدولية بكلية الحقوق والدبلوماسية في جامعة تافتس.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»